Blog

مقالات

التنفس الفموي

اليوم سنتحدث قليلاً عن مشكلة شائعة بين أطفالنا، لها في الواقع دور أساسي في العديد من المشاكل التقويمية. وعلى الرغم من أن تداركها وعلاجها المبكرين يمكن أن يوفرا على أبنائنا الكثير من المشاكل التقويمية، وقت طويل من العلاج، وتكلفة باهظة، إلا أن العديد من الآباء أو الأمهات لا يلقي لها اهتماما كافيا!

التنفس عن طريق الفم فقط أو ما ندعوه علمياً بالتنفس الفموي Mouth breathing.

 

 
عندما يكون الجنين مستلقيا في رحم المرأة، تكون القنوات والشعب الرئوية لديه مغلقة، وتنفتح مع الولادة، ويعتبر منذ ذلك الحين التنفس الأنفي هو الطريقة الطبيعية للتنفس. 
وللتنفس الأنفي عدة فوائد، أهمها:
- تنظيف الهواء الداخل للرئتين من الشوائب والغبار بفضل الشعيرات الموجودة في الأنف، وتدفئة الهواء وترطيبه. إلا أن أخذ الهواء عن طريق الفم باستمرار يؤدي لحرمان الجسم من كل هذه الفوائد، مما يؤثر سلبا على الجهاز التنفسي ويزيد من الالتهابات والأمراض التحسسية.

 

 ولكن ما منشأ مشكلة التنفس الفموي؟
حقيقةً هناك العديد من الأسباب، ولكن يمكننا اختصار أهمها بالأسباب التالية:

 

1-انسداد المجاري التنفسية الطبيعية بشكل وراثي أو مكتسب
2-حدوث كسور أو رضوض أو انحراف في الوتيرة الأنفية (الحاجز الغضروفي بين فتحتي الأنف)
 
3-ضخامة القرينات الأنفية أو تورمها بسبب الالتهابات، أو وجود أورام عظمية أو ليفية في الحفرة الأنفية
4-التهابات الأنف التحسسية أو المزمنة 
5-ضخامة اللوزات و الناميات الغدية في البلعوم الأنفي
6-قصر الشفة العلوية أو ضعف عضلاتها.
 

 

حسنا, كيف يمكن لي -كأم أو أب أو حتى كطبيب معالج- ملاحظة وجود هذه المشكلة عند طفلي ؟؟
في الواقع توجد العديد من العلامات التي يمكن ملاحظتها كأهل أو كأطباء على أطفالنا، والتي قد تشير لوجود مشكلة التنفس الفموي لديهم، من أهم هذه العلامات:

 

•شحوب الوجه والوهن الجسمي العام
•ضيق التنفس الليلي والشخير
•التهاب الجيوب المزمن أو الزكام المتكرر
•تضيق فتحتي الأنف
•يؤدي عند الأطفال إلى انتانات متكررة للمجاري التنفسية و إلى تأخر النمو و التطور العام للطفل
ومن العلامات التي تظهر على الأسنان، يمكن أن نلاحظ:
انتشار التسوس في معظم أسنان الطفل 
التهابات لثوية 
ضخامة في حجم اللثة 
كل ما سبق يمكن أن يحدث بسبب فتح الفم المستمر.

 

ليس هذا فقط، بل إن التنفس الأنفي السليم هو شرط أساسي لضمان التطور السليم لعظم الفك العلوي، (وبالأخص الجزء الذي يحمل الأسنان العلوية) وذلك عن طريق:

 

1-الحفاظ على التوازن بين ضغط  الشفاه والخدود من الخارج، وضغط عضلة اللسان من الداخل، عن طريق إغلاق الفم وتوضع اللسان في مقدمة سقف الحلق. 
2-دخول الهواء عبر الأنف يعمل على تنشيط نمو الجيوب الفكية وبالتالي يساهم في تحريض النمو الطبيعي للفك العلوي .
3-يساهم التنفس الأنفي في التحكم بنمو الفكين في الاتجاه العمودي، إذ يحدث توازن بين قوى العضلات المتحكمة في رفع وخفض الفك السفلي، مما يؤدي إلى حدوث تطور طبيعي في الفك السفلي.

كما يلعب التنفس الأنفي دوراً هاماً في تحديد وضعية الرأس, واللسان والفكين. وكل هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على كيفية واتجاه نمو الفكين العلوي والسفلي.

 

وفي المقابل، يؤدي التنفس الفموي إلى العديد من المشاكل التقويمية على مستوى الأسنان والفكين، أهمها:
1-بروز الأسنان الأمامية العلوية ونشوء عضة مفتوحة أمامية، ويمكن أن نعزو ذلك إلى حصول عدم توازن بين العضلات داخل الفم (اللسان) و خارج الفم (الشفاه والخدود) ، فبسبب الفتح المستمر للفم من أجل التنفس يحصل التالي:
•تضعف فعالية عضلات الشفة بسبب عدم انغلاقها على بعضها لفترات طويلة  
•توضع منخفض للسان عن مكانه الطبيعي في سقف الحلق
هذا الخلل في التوازن العضلي يؤدي إلى ضغط الخدين على جانبي القوس السنية ويؤدي إلى اندفاع الأسنان الأمامية العلوية إلى الأمام 
 
 

 

2- ربطت دراسات عديدة ما بين انسداد الأنف بشكل كامل وبين إجبار الرأس على الميلان للخلف. حيث يؤدي ميلان الرأس للخلف إلى ارتفاع الفك العلوي باتجاه الأعلى، وإلى دوران الفك السفلي نحو الخلف والأسفل (تحت تأثير العضلات الخافضة للفك السفلي) مما يؤدي إلى أحد أو كلا الأمرين التاليين:
•زيادة نسبية في بروز الأسنان بفعل تراجع الفك السفلي للخلف.
•نشوء عضة مفتوحة أمامية
 

3- إذا اعتاد المريض على وضعية الرأس المائلة نحو الخلف، فهذا سيؤدي بالتعاون مع الفتح المستمر للفم إلى بزوغ الأسنان الخلفية بشكل زائد للأسفل، وهذا بدوره يؤدي إلى دوران الفك السفلي للخلف، وتكون المحصلة زيادة في طول الوجه.  

 

4-كما أشرنا سابقاً يؤدي التنفس الفموي لحصول خلل في التوازن العضلي، ويؤدي ذلك إلى زيادة الضغط المطبق من الخدود على الأسنان الخلفية، وهذا يقود بدوره إلى تضيق المنطقة الخلفية من الفك العلوي، وقد تنشأ عضات معكوسة خلفية أيضا، وبالتالي سيتم احتجاز الفك السفلي وإعاقة نموه للأمام، وهذا قد ينتج عنه أحد أو كلا الأمرين التاليين:
•زيادة في بروز الأسنان بسبب تراجع الفك السفلي (يمكن الرجوع لمقالة بروز الأسنان على الموقع)
•انحراف الفك السفلي لليمين أو اليسار بسبب تضيق الفك العلوي.
 
 

 

ولكن، وكما قيل في الأمثال، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج. لذلك فإن التدخل المبكر عند ملاحظة وجود التنفس الفموي عند أطفالنا ضروري، لتجنب تطور أي من المشاكل التقويمية السابقة.
أما عن العلاج فيقسم إلى قسمين:
1-جزء من المعالجة يقوم به طبيب الأنف والأذن والحنجرة.
إن المراجعة الدورية لطبيب الأطفال أو طبيب الأنف والأذن والحنجرة، بهدف فحص المجاري التنفسية لأطفالنا هي أمر بالغ الأهمية، وخاصة إذا كان الطفل يعاني من مشاكل تحسسية.

 

يمكن للعلاج الدوائي للناميات أو اللحمية عادة أن يكون فعال، ولكن استمرار تضخم الناميات لفترة طويلة وعدم استجابتها للدواء قد يجبر الطبيب على استئصالها جراحياً، مع الانتباه لنقطتين:
احتمالية عودتها للتضخم لاحقاً في حال كان المريض يعاني من الحساسية المفرطة، وبالتالي لابد من المتابعة المستمرة مع الطبيب.
قد تنفتح المجاري التنفسية الأنفية بشكل طبيعي مع بقاء مشكلة التنفس عن طريق الفم لدى الطفل بسبب الاعتياد، في هذه الحالة، يجب تغيير هذه العادة تدريجياً حتى يعود التنفس الأنفي الطبيعي لديه.
 

 

2-جزء من المعالجة يقوم به طبيب التقويم:
في حال استمرت مشكلة التنفس الفموي لفترة طويلة، وظهرت المشاكل التقويمية الناتجة عنها، عندها يجب أن يتدخل طبيب التقويم في المعالجة، وتشمل المعالجة التقويمية:
1-في حال حصول بروز كبير في الأسنان تظهر الحاجة إلى العلاج التقويمي لتأمين إمكانية إغلاق الشفاه بشكل طبيعي
2-في حال حصول تضيّق في الفك العلوي فإن إجراء توسيع فكي للفك العلوي يعتبر أمر مهم من ناحيتين:
3-في حال حصول تنفس فموي اعتيادي (أي أن المجاري التنفسية الأنفية مفتوحة بشكل طبيعي و لكن الطفل اعتاد على التنفس عن طريق الفم) يمكن لطبيب التقويم المساعدة ببعض الأجهزة والتمارين الخاصة لاستعادة التن ……………………...

 

إن علاج التنفس الفموي الإعتيادي بشكل حاسم هو أمر ضروري لضمان عدم استمرار التنفس عبر الفم رغم عدم وجود عوائق، و يوجد العديد من الوسائل لتحقيق ذلك من ضمنها:
A.تمارين التنفس الواعية (تتطلب التركيز الكامل من قبل الطفل) :
•طريقة التنفس التبادلي بين فتحتي الأنف:
هي طريقة شائعة في تمارين اليوجا، يقوم الطفل باستنشاق الهواء بشكل عميق (لمدة 5 ثواني) من أحد فتحتي الأنف (لنقل اليسرى) ويغلق بإبهامه الفتحة الثانية، ثم يبدل ويقوم بوضع إبهامه لإغلاق فتحة الأنف اليسرى، ويخرج الهواء من الفتحة اليمنى (زفير لمدة 10 ثواني) ويكرر العملية بشكل معكوس في المرة التالية.
تحتاج هذه العملية لتركيز من الطفل وهي تساهم في تعزيز التنفس عبر الأنف وتنشيط الرئتين، يمكن عملها لمدة 5 دقائق أو أكثر لمرة أو مرتين يومياً تحت إشراف الوالدين.

 

B.وسائل التحكم في التنفس (أثناء الأنشطة اليومية اللاواعية) أي حين مزاولة الطفل لحياته اليومية دون أن تتطلب تركيزا منه:
•تمارين إغلاق الفم بواسطة خافضة اللسان الخشبية أو بواسطة شريط لاصق
الهدف من هذا التمرين هو خلق عادة إغلاق الفم أثناء التنفس في لاوعي الطفل، يمكن استخدام (خافضة اللسان الخشبية التي يستخدمها الطبيب) يضعها الطفل بين شفتيه، ويسعى للحفاظ عليها من السقوط بينما يحاول في هذه الأثناء أن يتنفس من أنفه. يمكن عمل هذا التمرين أثناء مشاهدة الطفل للتلفاز، ويمكن تكراره بشكل يومي .

 

أيضاً يمكن الاستعاضة عن خافض اللسان باستخدام شريط طبي لاصق نثبته على فم الطفل، هذه الطريقة تفي بالغرض في حال فشل الطريقة الأولى (بسبب عدم قدرة الطفل على تثبيت القطعة الخشبية بين شفتيه)، قد ينصح البعض بوضعه أثناء نوم الطفل ولكنني كطبيب لا أؤيد هذه الفكرة، لأننا وفي المراحل الأولى من المعالجة، لا نضمن قدرة الطفل الكاملة على استخدام أنفه للتنفس، لذلك يجب مراقبته بحرص، حتى لا يتعرض لأي نوع من أنواع ضيق التنفس أو الاختناق. بالإضافة إلى أنني أفضل استخدام قطعة الخشب بدلا من الشريط اللاصق، لأنها تساعد على تقوية وتمرين عضلات الشفاه.

 

C.استخدام أجهزة خاصة للمساعدة على استعادة وظيفة عضلات الشفاه الطبيعية في إغلاق الفم، ويوجد العديد من أشكال هذه الأجهزة، والتي تستخدم لخلق عادة لدى الطفل وتمرينه على إغلاق فمه أثناء التنفس.
 ومن أهمها (الوسادة أو الصفيحة الشفوية) Oral screen يتم تطبيقها من قبل الطبيب وهو من يحدد للأهل طريقة استعمالها.

 

ما الهدف من استخدام هذه الأجهزة؟

 

الهدف الرئيسي من معظم أنواع هذه الأجهزة هو:
•إزالة الضغط السلبي الضار الذي قد تطبقه الخدود والشفاه على الأسنان
•استعادة القوة الطبيعية للعضلات الموجودة بالشفاه
•التدريب على إغلاق الفم أثناء التنفس، وعلى التنفس بشكل طبيعي من الأنف، و لكن ذلك ممكن فقط في حال توفرت الشروط التالية:
أن يكون طول الشفة طبيعي، وفي حال كانت الشفة تعاني من قصر شديد يجب مراجعة طبيب الجراحة لمعرفة طرق المعالجة المناسبة لهذه المشكلة.
 ألا يكون هناك بروز شديد في الفك العلوي أو الأسنان الأمامية العلوية، والذي قد يمنع حصول هذا التماس بين الشفتين، وفي حال وجود مثل هذه المشاكل يجب اجراء المعالجة التقويمية بشكل موازي لمعالجة وظيفة التنفس.
أن تكون المجاري التنفسية الأنفية مفتوحة بشكل طبيعي، و بالتالي في حال وجود انسدادات يجب متابعة ومعالجة هذه المشكلة مع طبيب الأنف والأذن والحنجرة.

 

وكخلاصة يمكن أن نخرج بها من هذه المقالة، فإن مراقبة الأهل لنمو أطفالهم والوظائف الحيوية لديهم (وأهمها وظيفة التنفس)، يعتبر أمر في غاية الأهمية. حيث يجب القيام بزيارة الدورية لطبيب الأطفال، والمتابعة مع طبيب الأنف والأذن والحنجرة في حال حصول التهابات حادة، أو مزمنة، أو تحسسية في المجاري التنفسية، من أجل تجنب تفاقم هذه المشاكل، وتجنب حصول انسداد في المجاري التنفسية الطبيعية.
كما يجب زيارة طبيب الأسنان وطبيب التقويم لمتابعة تطور ونمو الفكين والإطباق عند طفلك، وضمان التدخل الطبي المبكر في حال ملاحظة أية مشاكل تقويمية.

 

يبقى السؤال الأهم، متى يجب على طفلي البدء بزيارة طبيب الأسنان؟ 
يعد عمر السبع سنوات العمر المناسب لإجراء الزيارة الدورية الأولى لطبيب التقويم.