Blog
مقالات
العضة المعكوسة الأمامية
و أنت تلاعب طفلك الصغير، يضحك ملء قلبه ويتبسم في وجهك، وبينما أنت في غمرة سعادتك تلاحظ أمرا غير صحيح في ابتسامته، تمعن النظر أكثر لتفهم المشكلة.. تبدو مشكلة في اصطفاف الأسنان!
في حال لاحظت أن أسنان طفلك الأمامية خلف الأسنان الأمامية السفلية، اعلم حينها أن طفلك يعاني من مشكلة تقويمية تسمى العضة المعكوسة الأمامية والسبب في هذه التسمية يرجع إلى أن توضّع القواطع العلوية في الأحوال الطبيعية يجب أن يكون أمام الأسنان الأمامية السفلية وليس خلفها.
تدعى هذه المشكلة أيضا ببروز الذقن، وتتراوح نسبة انتشارها في العرق القوقازي الأبيض ما بين 1 إلى 4 % و تزداد هذه النسبة في منطقةشرق آسيا وأفريقيا.
ليست كل حالات العضة المعكوسة الأمامية متشابهة و ذلك بسبب اختلاف سببها، و اختلاف شدتها ، و عموماً يمكن تقسيمها حسب منشأها :
•عضة معكوسة أمامية بسبب الأسنان فقط:
في هذه الحالة لا يكون هناك تأثير لوضع الفكين على المشكلة و يكون السبب الرئيسي هو ميلان واحدة أو أكثر من القواطع الأمامية العلوية upper incisors للخلف بسبب خلل في اتجاه بزوغ السنtooth eruption و الذي يمكن أن يحصل لعدة أسباب:
1-ازدحام crowding شديد يجبر الأسنان الأمامية على البزوغ بشكل مائل للوراء حتى تجد مكاناً لها بين الأسنان
2-وجود سن زائدsupernumerary tooth or extra tooth يمنع بزوغ الأسنان الأمامية بشكل طبيعي فتبزغ أحياناً بشكل مائل للخلف.
3- بقاء الأسنان اللبنية الأمامية وعدم سقوطها في توقيتها الطبيعي مما يجبر الأسنان الأمامية الدائمة -والتي لم تبزغ بعد - على أن تبزغ في بعض الأحيان خلف الأسنان اللبنية.
بقاء مشكلة العضة المعكوسة الأمامية على سن واحد أو عدة أسنان لفترة طويلة من دون علاج سيعمل على إعاقة نمو الفك العلوي للأمام و الأسفل بشكل طبيعي، بينما يستمر الفك السفلي بالنمو للأمام، و هذا سيؤدي في النهاية لأن تصبح العضة المعكوسة ذات المنشأ السني -و التي يمكن معالجتها بشكل سهل نسبياً - إلى عضة معكوسة ذات منشأ عظمي و التي تعتبر معالجتها أكثر تعقيداً.
•عضة معكوسة أمامية بسبب مشكلة في أحد أو كلا الفكين العلوي و السفلي
تنشأ هذه المشكلة إما بسبب :
1-نمو الفك السفلي بشكل زائد للأمام و بروز الذقنchin protrusion ( و يمكن أن نسميها بروز ذقن حقيقي)- تسمى باللغة العربية الفصحى (الكزم) و باللاتينية تسمى بالـ progenie وهي مشتقة من pro و تعني أمام و كلمة genie و تعني الذقن - أي بروز الذقن .
2-تراجع في نمو الفك العلوي بشكل طبيعي للأمام، مما يظهر الفك السفلي و الذقن كأنه بارز للأمام، على الرغم من أنه طبيعي (و نسمي هذه الحالة ببروز الذقن الكاذب أو غير الحقيقي).
3-أو بسبب العاملين السابقين معاً أي بروز الفك السفلي و تراجع الفك العلوي
4-عضة معكوسة أمامية بسب بروز الذقن المجبرforced mandibular protrusion أو الوظيفي functional ، يكون الفك السفلي في هذه الحالة طبيعياً و لكن بسبب وجود تداخلات إطباقيه occlusal interferences( قواطع علوية متراجعة للخلف- أو حشوات سنية أو تركيبات سيئة أو أسنان ذات نوضع خطأ) ، مما يؤدي إلى انزلاق الفك السفلي sliding of lower jawنحو الأمام عند إغلاق الفم.
•و قد تنشأ العضة المعكوسة الأمامية بسبب وجود مشكلة في الأسنان و مشكلة في عظم الفكين معاً
و بعد أن عرفنا أن العضة المعكوسة تنشأ إما بسبب مشكلة في ارتصاف الأسنان أو مشكلة في عظام الفكين أو بسبب اجبار الفك السفلي على الانزلاق للأمام بعيداً عن موقعه الطبيعي ، قد يتساءل البعض عن سبب ظهور هذه المشاكل في الأسنان و / أو الفكين ، حقيقة للمشكلة عدة مصادر و أسباب أهمها :
1-الوراثةGenetic :
للعامل الوراثي تأثير كبير على بروز الفك السفلي، و ذلك إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
الدور المباشر للوراثة:
تشير الدراسات الإحصائية إلى أن العائلات التي يكون أحد أفرادها مصاباً ببروز الفك السفلي mandibular prognathism تزداد احتمالية إصابة فرد آخر من هذه العائلة ببروز الفك السفلي أكثر من المعدل الطبيعي، و أكدت دراسة أخرى أن ثلث مجموع الأطفال الذين يعانون من بروز في الفك السفلي لديهم أب أو أم يعانون من نفس المشكلة و أن سدس هذه المجموعة من الأطفال لديهم أخ أو أخت أو قريب مصاب أو لديه ميل نحو نفس المشكلة.
يظهر في الصورة تشارلز الرابع ملك اسبانيا و زوجته(بنت عمه) ماري جوزيه أميرة بارما و 5 من أولادهم السبعة (الوالدين و 3 من أولادهم يعانون من بروز الفك السفلي)
الدور غير المباشر للوراثة:
قد تغيب بعض الأسنان الأمامية العلوية genetic missing of anterior teeth(في الغالب الرباعيات العلويةupper lateral incisors) بسبب خلل في الجينات الوراثية ، و يؤدي فقد هذه الأسنان لنقص في نمو المنطقة الأمامية من الفك العلوي، كما قد يعاني بعض الأطفال من مشاكل لها بعض الأسباب الوراثية أخرى مثل شقوق الشفة و قبة الحنكcleft lip and palate (الشفة الأرنبية) و في حال كان الشق cleft ممتد حتى المنطقة الأمامية من الفك العلوي فهو سيؤدي بدوره إلى نقص في نمو المنطقة الأمامية من الفك العلوي، فينتج لدينا عضة معكوسة أمامية بسبب تراجع الفك العلوي (و ليس بسبب بروز الفك السفلي)
2- أسباب هرمونية:
تفرز الغدة النخامبة pituitary gland هرمون النمو growth hormone و الذي كما هو واضح من اسمه يعتبر هرمون هام جداً في عملية النمو ، و لكن في بعض الأحيان يحصل فرط في نشاط هذه الغدة فتفرز كميات أكبر من المعتاد من هرمو النمو ، و لو حصل ذلك بعد نهاية مرحلة البلوغ ، فإنه سيؤدي إل مرض يسمى ضخامة الأطراف العظمية Acromegaly و الذي يتميز بزيادة مفرطة في النمو لأطراف العظام ، ومن ضمن الأجزاء التي تنمو بشكل مفرط الفك السفلي ، و عادةً المريض لا يعاني من مشاكل في فترة الطفولة و لكن تبدأ هذه الأعراض بالظهور بعد فترة البلوغ بشكل مفاجئ.
مشكلة أخرى هرمونية مرتبطة بالعضة المعكوسة الأمامية و هي نقص هرمون الغدة الدرقيةthyroid gland في حال ظهرت منذ الطفولة المبكرة من الممكن أن تؤدي لضخامة اللسان مما يساهم في النمو الشديد للفك السفلي و تطور بروز في الفك السفلي لأن اللسان يجبر الفك السفلي على أن يتوضع أمامياً بشكل مستمر
.
3-مشاكل في بعض وظائف الجسم أو عادات شخصية ضارةbad habits :
أ-التنفس الفموي: (التنفس عن طريق الفم فقط بدل الأنف) mouth breathing
يسبب نقص في نمو الفك العلوي لأن التنفس عن طريق الأنف عادة يؤثر على توسع الجيبوب الأنفية و له تأثير بالتالي على نمو الفك العلوي، كما يؤدي التنفس المستمر عن طريق الفم على توضع شبه دائم لللسان بشكل منخفض و أمامي مما يؤدي لتحريض نمو الفك السفلي للأمام و الأسفل- لمعلومات أكثر عن التنفس الفموي يمكن العودة لمقالة التنفس الفموي على الموقع-
ب-عادة دفع الفك السفلي للأمام عند بعض الأطفال و خاصةً الذين يقلدون بعض أفراد أسرتهم (العوامل الوراثية ذات الطابع العائلي).
ت -مشاكل في طريقة البلع:
تحدث عند بعض الأشخاص مشاكل في طريقة البلع فلا يلمس اللسان سقف الحلقroof of of the palate عند البلع و يتوضع باستمرار ما بين الأسنان الأمامية ، يؤدي الخلل في توضع اللسان إلى نقص في نمو الفك العلوي و إلى دفع الفك السفلي للأمام و يؤدي إلى دفع الأسنان السفلية الأمامية إلى الأمام ، فينتج لدينا عضة معكوسة أمامية.
ث-بعض العادات الشخصية الضارة عند الأطفال مثل مص الإصبع المعكوس.
ج-عادة العض على الشفة العلوية أو قضم الأظافر بشكل مفرط قد تؤدي إلى عضات معكوسة موضعية على بعض الأسنان الأمامية
4-مشاكل في ارتصاف الأسنان اللبنية عند الأطفال أومشاكل في بزوغ هذه الأسنان أو وجود حشوات سيئة تجبر الفك السفلي على الإنزلاق إلى الأمام، استمرار هذه المشكلة لفترة طويلة قد يؤدي من تحول المشكلة من مشكلة مؤقتة -يمكن أن تزول بإزالة السبب -إلى بروز حقيقي في الفك السفلي.
معالجة العضة المعكوسة الأمامية:
تتدرج معالجات العضة المعكوسة الأمامية من إجراءات بسيطة مثل إزالة العائق الذي يجبر الفك السفلي على التقدم للأمام إلى خطة علاجية معقدة تشمل إجراء جراحة على أحد أو كلا الفكين، كذلك تختلف المعالجات التقويمية بإختلاف عمر المريض و بإختلاف سبب المشكلة و بإختلاف شدتها.
يفضل بالبدء بمعالجة العضة المعكوسة الأمامية في أعمار مبكرة و خاصة إذا لم يكن السبب هو بروز الفك السفلي بسبب وراثي – غالباً سنحتاج للجراحة بعد عمر ال18 – لذلك أفضل اجراء هو البدء بالفحص الدوري عند طبيب الأطفال أو التقويم من عمر ال 6 سنوات، في حال كانت العضة المعكوسة بسبب ميلان الأسنان الأمامية فيمكن بواسطة أجهزة تقويم بسيطة ثابتة أو متحركة تعديل وضع هذه الأسنان و فتح مجال للفكين أن يتابعا نموهما بشكل طبيعي.
أما لو كانت المشكلة بسبب تراجع الفك العلوي فيمكن تطبيق جهاز القناع الوجهي، و يفضل تطبيقه بالأعمار ما بين 7 إلى 9 سنوات.
يعمل هذا الجهاز على سحب الأسنان العلوية و الفك العلوي للأمام، تطبيقه بأعمار أكبر من ال 9 أو 10 سنوات لن يعطي النتيجة المطلوبة.
بالأعمار الأكبر من 11 سنة و في نهاية فترة تبديل الأسنان اللبنية و في حال كان سبب العضة المعكوسة الأمامية هو بسبب الأسنان بشكل رئيسي، نلجأ للتقويم الثابت المصحوب بقلع بعض الأسنان في الفك السفلي لتوفير المسافة الكافية لإرجاع الأسنان الأمامية السفلية للخلف و تصحيح المشكلة
في حال كانت العضة المعكوسة شديدة و بسبب تشوه في أحد أو كلا الفكين عندها من المفضل عمل جراحة مع تقويم الأسنان، غالباً ما يتم إجراء الجراحة بعد عمر ال18 سنة حتى نضمن توقف عملية النمو عند المريض- سنتحدث في مقال قادم عن الجراحة التقويمية بتفصيل أكثر- و لكن ما يهم القارئ و المتابع معرفته أن هذه العمليات الجراحية باتت أمراً شائعاً و تأثير هذه المعالجة لا يقتصر على تحسين طريقة عض المريض و ارتصاف أسنانه و لكن أيضاً يشمل التحسن بروفيل المريض الوجهي و ابتسامته.
في نهاية هذا المقال يجب أن ننوه مرة أخرى على أهمية المراجعة المبكرة لطبيب التقويم و التي تبدأ عادة ما بن عمر ال6 إلى 7 سنوات، و في حال تم تشخيص وجود مشكلة عضة معكوسة لدى الطفل فالتدخل التقويمي المبكر قد يوفر الكثير من الوقت و المال اللازمين لمعالجة المشكلة بعد أن تتفاقم و يكبر المريض في العمر، أيضاً يجب التنويه على أن العضة المعكوسة الأمامية هي نتيجة و ليست سبب للمشكلة، و تتعدد الأسباب المؤدية لها و بالتالي قد تختلف طريقة المعالجة من مريض لآخر تبعاً لسبب المشكلة، فالعلاج المناسب لطفل أو بالغ قد لا يكون مناسب لطفل أو بالغ آخر رغم أن المريضين يعانيان من وجود عضة معكوسة أمامية.