كثيراً ما يراجعني الأهالي بسبب وجود عادة مص الإصبع عند أطفالهم و تخوفهم من حصول مشاكل في الفكين و الأسنان بسببها ، و بالنسبة لي فإنها  من المشاكل الشائعة في مجتمعاتنا العربية.
للتعرف على هذه العادة أكثر سأبدأ بتوضيح ما معنى كلمة "عادة" ؟ 
العادة: هي تكرار مستمر لعمل ما في البداية يكون إرادياً يتحول فيما بعد لعمل سلوكي غير إرادي.  
لذلك و من التعريف علينا الانتباه أن هذه المشكلة لو استمرت فإنها ستصبح مشكلة ذات شقين، جسدي و نفسي.
يولد الطفل ولديه حاجة كبير للمص – لأنه بحاجة للرضاعة – وفي الأوقات التي لا يرضع فيها الطفل يكون بحاجة لشيء يقوم بمصه فيلجأ لإصبعه، لذلك يمكن تجنب هذا الأمر بإعطاء  الطفل " اللهاية أو المصاصة" لتعويضه عن مص اصبعه.
هذه الحاجة للمص تبدء بالتناقص بعمر الستة أشهر و أيضاً استمرار هذه العملية (سواء مص الاصبع أو اللهاية) بعد هذا العمر سيؤدي لنشوء عادة ، لذلك ينصح بإيقاف اللهاية بعمر ال6 أشهر، و يمكن إعطاء الطفل أشياء خاصة مثل أطعمة خاصة بالرضع للتعويض عن إيقاف اللهاية. 
و لكن حتى لو استمرت هذه العادة عند الأطفال لما قبل عمر ال3 أو 4 سنوات فإنها تعتبر طبيعية و في كثير من الحالات تزول بشكل ذاتي بعد هذا العمر.
و لكن استمرار هذه العادة إلى ما بعد فترة بدء بزوغ الأسنان الدائمة  - تبدء بعمر ال6 سنوات- سيؤدي لنشوء مشاكل على مستوى الأسنان و الفكين.
 

أسباب استمرار عادة مص الإصبع 
•العامل النفسي : للعامل النفسي دور كبير في تشكل أي عادة كما ذكرت سابقاً، و هذه العادة ليس استثناء، فالعديد من المواقف النفسية التي قد يتعرض لها الطفل يمكن أن تؤدي لتعزيز و استمرار عادة مص الإصبع لما بعد ال4 أو حتى ال6 سنوات، لعل أهم هذه المواقف النفسية:
- ولادة طفل جديد والإهتمام الزائد به .
- نقص الاهتمام و التحدث مع الطفل و خاصة مع انشغال الأهل حديثاً بوسائل التواصل الاجتماعي و الهواتف النقالة أو حتى خروج الأم و الأب للعمل و ترك الأطفال في الحضانة أو مع المربيات لفترات طويلة.
- دخول الطفل المدرسة ومقابلة المجتمع الجديد .
- موقف الأهل غير المتفهم لطبيعة العادة وأساليب ايقافها الصحيحة، خاصة لو تم محاولة إيقاف هذه العادة عن طريق العنف أو الإهانة.

•دور الرضاعة الصناعية : وجدت العديد من الدراسات أن إيقاف الرضاعة الطبيعية بأعمار مبكرة له دور في نشوء و استمرار هذه العادة.

يؤدي استمرار هذه العادة بعد بزوغ الأسنان الأمامية الدائمة إلى عدة تشوهات على مستوى الأسنان و الفكين لعل من أهمها :
1-ميلان الأسنان الأمامية – القواطع - السفلية للوراء
2-ميلان الأسنان الأمامية العلوية للأمام، مما يؤدي لحصول مشكلة بروز الأسنان Protrusion و التي تحدثنا عنها في مقالة سابقة يمكن الرجوع إليها في الموقع.
3-نشوء فتحة ما بين الأسنان الأمامية العلوية و السفلية نسميها "العضة المفتوحة الأمامية.
4-تضيق بالفك العلوي الذي ينتج عن اضطراب توازن ضغط اللسان وضغط الخدود فعندما يضع الطفل إصبعه بين الأسنان العلوية والسفلية سيتوضع اللسان بوضعية منخفضة ولا يطبق ضغطا خلف القواطع العلوية بينما يزيد ضغط الخدود نتيجة تقلص العضلات الموجودة في الخدود أثناء عملية المص.
5-ينشأ من تضيق الفك العلوي عدة مشاكل أهمها العضة المعكوسة الخلفية و يمكن أن تؤدي بدورها لانحراف الفك لليمين أو لليسار أثناء اغلاق الفكين بسبب عدم استقرار العضة (إطباق الأسنان).
 

و تختلف نوعية التشوهات الحاصلة و شدتها تبعاً لعدة عوامل:
1-تختلف الأسنان المتأثرة باختلاف مكان و طريقة وضع  الإصبع داخل الفم. 
2- أي إصبع استخدم (ابهام أو سبابة – اصبع واحد أو أكثر). 
3-تختلف شدة سوء الإطباق الحادث باختلاف المدة الزمنية لتطبيق العادة ،فالأطفال الذين يقومون بالعادة بصورة متقطعة ينتج لديهم تشوهات  أقل شدة من الأطفال الذين يقومون بالعادة لمدة (6) ساعات باليوم وأكثر أو الذين يقومون بالعادة أثناء النوم طوال الليل.

كيف يمكن إيقاف هذه العادة:
كما ذكرت سابقاً فللمشكلة جانب نفسي واضح، لذلك فالعلاج في البداية سيعتمد على الجانب النفسي فقط، فيجب إظهار اهتمام أكبر بالطفل في حال وجود نقص في الاهتمام (و الاهتمام هنا معناه التكلم و اللعب معه و ليس اغراقه بالهدايا و الألعاب) .
و في حال كان الطفل واعي يجب البدء بالحوار معه في المنزل أو في عيادة طبيب التقويم أو الأطفال و سأعرض فيما يلي طريقة إجراء حوار مع الطفل (يمكن للوالد أو الوالدة أو حتى الطبيب المعالج اجراء هذا الحوار).

1-التمهيد للطفل : ليست مشكلة كبيرة أنك تمص اصبعك ، فإصبعك على الأغلب يذهب تلقائياً لفمك لأنه مكان مريح له، لذلك يكرر زياراته لفمك.، لكن عليك أن تعلم أنه ببقائه داخل فمك سوف يشوه أسنانك و ستفقد ابتسامتك الجميلة، و هذا  أمر سيء.
2-تحدي قوة إرادة الطفل: " تعلم أن الموضوع يعتمد عليك، فإما أن تكون أنت الزعيم المسيطر ((البوس)) أو يكون إصبعك هو الزعيم، ولكن لو أصبح إصبعك هو الزعيم سوف تحدث مشاكل في أسنانك و لن تصبح ابتسامتك جميلة.
3-عرض المساعدة على الطفل لأول مرة " أعتقد أنك انت ((البوس)) لذلك إن أردت فسوف أساعدك.
4-عرض مقترح و مساعدة إضافية للطفل لاحقاً " أعلم أنه من السهل لك أن تكون أنت المسيطر و البوس أثناء النهار، ولكن أعلم أنه أثناء نومك ليلاً، يستغل إصبعك نومك و يعود من تلقاء نفسه لفمك ، لذلك أستطيع أن أساعدك في الليل أيضا "ً.
5-إعطاءه عرض مشجع: " اسمعني لو استطعت أن توقف مص اصبعك لوحدك فلن نحتاج لوضع أي نوع من أنواع أجهزة التقويم المزعجة في فمك ، و سيكون هذا الأمر مريح لك.

معظم الأطفال قد يخبروا أهلهم أو يعودوا مع أهلهم للعيادة بعد أسبوع و يخبروا الطبيب ما قد أخبرهم به – الطبيب - من قبل ، "بأنهم استطاعوا السيطرة على الموضوع نهاراً و لكن ليلاً لم يستطيعوا إيقاف مص أصابعهم.
في هذه اللحظة تبدأ المرحلة الثانية من مراحل إيقاف هذه العادة.
نطمئن الطفل بأن ما يحصل معه أمر طبيعي، و نقول له "  تعلم أن إصبعك يذهب لفمك لأنه مكان مريح له، لذلك إن أخبرت إصبعك أن لا يذهب لهناك فيجب أن توفر لهم مكان آخر ليرتاح فيه، لذلك سنعمل لك بيت جميل من القماش الناعم حتى يرتاح فيه اصبعك ليلاً".
يمكن للأهل عمل كيس من القماش يتم تثبيته (عند الخياط) كما في الصورة على بيجامة الطفل و يمكن وضع رسومات أو ألوان محببة للطفل.
و نخبر الطفل أنه في نهاية اليوم و قبل النوم مباشرة يجب أن تكلم اصبعه بشكل مباشر  يعطيه الأمر التالي ويكرره 3 مرات و هو ينظر له:
"إصبعي لن تدخل لفمي اليوم و سوف تنام في بيتك الجديد"
بعد ذلك نقول للطفل : يجب عليك ثني أصابعك الأربعة على ابهامك لحمايته (كما في الصورة) ثم بعدها تدخل يدك في بيتها الجديد (الكيس القماشي) و تنام بهدوء
 

عادةً ما يحتاج الأطفال لفترة 3 أسابيع أو أقل للتوقف عن هذه العادة، و لكن ان استمرت أو لم يلتزم الطفل بهذه الطريقة فيجب أن ننتقل لأنواع أخرى من المعالجة.

في حال فشلت الطرق النفسية في اقناع الطفل و إيقاف العادة قد نلجأ لوسائل ميكانيكية لمساعدته و نبدأ بهم بالتدرج التالي من الأسهل للأصعب

1-استخدام حامي أو جبيرة الإصبع:
يوجد لها عدة أشكال تباع في المستودعات الطبية أو عن طريق طبيب التقويم، هدفها منع الطفل من القدرة على ثني اصبعه الذي يستخدمه في المص، تم تصميمها بشكل لا يستطيع الطفل نزعها لوحده لذلك قد تشكل له مشكلة أثناء النهار لو أراد الكتابة أو الأكل ، لذلك أنصح باستخدامها فقط ليلاً.
 

2-استخدام جبيرة خاصة لليد:
في حال كانت العادة شديدة جداً و استمرت لفترات طويلة و فشلت معظم الوسائل السابقة، فيمكن استخدام هذا النوع من الجبائر، حيث يمنع الطفل من ثني ساعده و وصع ابهامه في فمه، صحيح انها قد تحدد حركة يده و لكن قد تكون هذه وسيلة ضرورية لإيقاف عادة المص.

3-استخدام أجهزة داخل الفم لكبح و إيقاف عادة مص الإصبع:
لو فشلت جميع الوسائل السابقة يتم اللجوء لهذه الأجهزة و التي يتم عملها بواسطة أخصائي التقويم أو أخصائي الأطفال ، و يوجد نوعين من الأجهزة:
- إما أجهزة متحركة يستطيع الطفل إزالتها و وضعها و تحتوي على نتوءات معدنية لتذكيره بعدم وضع إصبعه في فمه.
 

- أو أجهزة مثبتة على الأسنان بشكل دائم و تحمل نتوءات معدنية بشكل مشابه للأجهزة السابقة.
 

من خبرتي كطبيب تقويم أجد أن الأجهزة الثابتة على رغم من أنها مزعجة، إلا أنها الأكثر فاعلية في إيقاف هذه العادة بشكل سريع.