Blog
مقالات
التقويم الشفاف
بلا أدنى إحراج أو تأثير على مظهر الوجه، ودون أي منغصات أثناء تناولك لوجبتك المفضلة .. العلاج التقويمي ممكن!
اليوم سنتحدث عن موضوع لطالما سُئلت عنه سواء في عيادتي أو على مواقع التواصل الاجتماعي ألا وهو التقويم الشفاف، أو لنستخدم المسمى الأكثر دقة ((الراصفات الشفافة))invisible aligners
دعونا نرجع بالزمن إلى الوراء وتحديدا إلى بدايات القرن العشرين، عندما كانت قطع التقويم المعدنية - التي نسميها في مجالنا ((الحاصرات Bracketsa)) - يتم لحامها على رقاقات معدنية تحيط بالأسنان بشكل كامل مثل الخاتم ، نسمي هذه الرقاقات الأطواق bands.
ومع تطور المواد والحشوات المستخدمة في طب الأسنان، صار بالامكان لصق قطع التقويم –الحاصرات المعدنية- بشكل مباشر على سطح السن وأصبح بإمكاننا الاستغناء عن الأطواق المعدنية.
و لكن على الرغم من هذا التطور الحاصل، بقي التقويم المعدني يعاني من عيبين أساسيين:
1-اللون والشكل، اللذين يؤثران على جمالية الإبتسامة. حيث يسهل تمييز التقويم المعدني على الأسنان و يستطيع الناس أن يلحظوا وجوده بسهولة. علما بأن بعض الوظائف تتطلب عدم ارتداء أي شيء ظاهر على الأسنان (كالتقويم) كشرط أساسي للقبول، مثل وظيفة مضيفة الطيران.
2-صعوبة تنظيف الأسنان، عادة ما تتجمع بقايا الطعام حول قطع التقويم (الحاصرات) ، وفي بعض الأحيان يكون من الصعب تماماً على المريض تنظيف أسنانه بشكل كامل خاصة للمرضى الصغار في السن. يؤدي ذلك مع مرور الوقت إلى تراكم طبقة البلاك Plaque والجير Calculus، مما يؤدي في النهاية إلى تسوس الأسنان وتصبغها، بالإضافة إلى حدوث التهابات في اللثة.
وللتغطية على المشكلة الجمالية ظهر التقويم الثابت الخزفي Ceramic brackets، حيث تم فيه استبدال مادة الستانليس ستيل -التي يتم صنع قطع التقويم المعدني منها- بمادة الخزف بيضاء اللون، كما تم استخدام كريستالات شفافة في بعض الحالات.
وعلى الرغم من التحسن الكبير الذي قدمه هذا التقويم إلا أن مشكلة الصحة الفموية وصعوبة التنظيف بقيت موجودة، بالإضافة إلى عدم استطاعته اخفاء التقويم بشكل كامل عن الأعين، فمن مسافة قريبة يستطيع الشخص الجالس إلى جوارك ملاحظة وجود تقويم في فمك، كما أن معظم الأسلاك التقويمية تكون معدنية، وحتى الأسلاك التجميلية فهي تفقد طبقة الطلاء الأبيض الموجود عليها لتصبح واضحة عند الابتسام.
أيضاً، تم تطوير نوع جديد من التقويم وهو التقويم الثابت اللساني Lingual brackets، حيث يتم تثبيت قطع التقويم خلف الأسنان، وبذلك نخفيها عن أعين الناس، ولكي نكون صريحين فقد استطاع هذا النوع حل المشكلة التجميلية في التقويم، إلا أنه للأسف لم يستطع مثل سابقاته حل مشكلة الحفاظ على صحة فموية جيدة. عدا عن وجود عيوب فيه، مثل التخريش الكبير الحاصل للسان، والتأثير على عملية النطق، وغلاء أسعار هذا النوع من التقويم مقارنة بالتقويم العادي. كل هذا أدى لعدم شيوع استخدام هذا النوع من التقويم في عيادات الأسنان.
إلا أنه منذ نهايات القرن العشرين ومطلع الألفية الجديدة بدأ نوع جديد من التقويم بالظهور، يدعي بالراصفات الشفافة –يسمى بين الناس بالتقويم الشفاف أو الانفيزلاين-.
الراصفة الشفافة هي عبارة عن غلاف أو طبقة رقيقة مصنوعة من مواد بلاستيكية شفافة أو شبه شفافة ومتقبلة حيوياَ. تحيط الراصفة بالأسنان بشكل كامل (من جهة الخد واللسان ومن الأعلى)، ويستطيع المريض نزعها عن الأسنان وارتدائها بنفسه دون الحاجة للاستعانة بطبيب التقويم من أجل فك الراصفة أو تركيبها. أما عن المعالجة التقويمية بالراصفات الشفافة، فهي تعتمد على تحريك الأسنان تدريجياً للوصول نحو الإطباق الطبيعي، حيث يتم تقسيم حركة الأسنان (أو السن) إلى مراحل صغيرة. تمثل كل مرحلة راصفة واحدة يجب ارتداؤها لفترة زمنية كافية لإنجاز الحركة السنية المطلوبة، قبل أن ننتقل إلى الراصفة التالية لإكمال تحريك الأسنان.
استطاعت الراصفات الشفافة حل مشاكل التقويم المثبت على الأسنان اللي تحدثنا عنها سابقا، فالمريض يستطيع تنظيف أسنانه بشكل مريح يومياً دون مواجهة أية مشاكل، كما أنه من الصعوبة ملاحظة وجود الراصفات على الأسنان حتى من المسافات قريبة، وأخيراً تخلص المريض من مشكلة تخريش الشفاه و اللسان التي كان يعاني منها مع التقويم الثابت بجميع أنواعه.
حتى أن هذه الراصفات قد احتلت السوق تماما، فمنذ بداية انتشار الراصفات الشفافة بشكل تجاري عام 1999 أي قبل 22 عام تقريباً وحتى الآن استطاع التقويم الشفاف حجز ما لا يقل عن 59 % من حجم سوق التقويم المخفي (بجميع أنواعه اللساني و الخزفي) و الذي يمثل 11 % من حجم السوق العالمية لمنتجات الأسنان (سواء التقويمية أو غير التقويمية).
في 30 يونيو من عام (2019) أعلنت شركة انفيزيلاين عن وصولها لـ 7 ملايين حالة تقويمية تم علاجها باستخدام الإنفيزلاين.
على الرغم من أن الراصفات الشفافة و التقويم الثابت التقليدي يشتركان بنفس التأثير البيولوجي على الأسنان -الذي يؤدي لتحريكها-، ,و لكن يكمن وجه الاختلاف بينهما يكمن في طريقة تحريك الأسنان ميكانيكياً.
والآن بعد قراءة كل تلك المعلومات حول التقويم الشفاف يراودك السؤال، هل هو آمن؟
معظم الراصفات الشفافة المتوفرة حالياً تتألف من أحد المركبين: بولي إيثيلين تيري فيثاليت جلايكول (بيتي جي) polyethylene terephthalate glycol (PET-G)، أو من بولي يوريثانز polyurethanes ، وكلا المادتين آمنتين للاستخدام داخل الفم وغير مسرطنتين، فقد تم إجراء العشرات من التجارب المخبرية عليهما قبل السماح باستخدامهما.
وتتراوح سماكة الراصفات ما بين 0.5 مم إلى 1 مم و في بعض الأنواع تزيد عن ال1 مم .
الآن و بعد أن قرأت كل المعلومات السابقة عن التقويم الشفاف و أعجبتك الفكرة و تريد إجراء علاج تقويمي لأسنانك باستخدام الراصفات الشفافة، فما هي الخطوات التي تنتظرك منذ لحظة دخولك للعيادة وحتى استلامك لأول راصفة شفافة؟
في الواقع، ورغم تنوع الشركات المصنعة للراصفات الشفافة إلا أنها في معظمها تشترك في معظم الخطوات، سواء الخطوات التي تتم ضمن العيادة أو تلك التي تتم خلال عملية التصنيع. أنا شخصياً أعتمد في عيادتي راصفات الإنفيزلاين Invisalign™ منذ سنة 2013، على الرغم من ارتفاع أسعارها مقارنة بباقي الشركات. والسبب هو أنها الشركة المؤسسة لهذا النوع من المعالجة وتمتلك خبرة حوالي ربع قرن تقريبا في هذا المجال، بالإضافة لاهتمامها المستمر بتطوير التقنيات والمواد التي تستخدمها في تصنيع الراصفات، لذلك فهي من أفضل الشركات التي أثق بها لعمل الراصفات حتى أضمن أفضل تجربة علاجية و نتائج للمراجعين في عيادتي.
باختصار سأذكر الخطوات التي سيمر بها كل مراجع من لحظة دخوله العيادة طالباً المعالجة بالتقويم الشفاف إلى لحظة استلامه الراصفة الشفافة الأولى :
1- الخطوة الأولى والأهم من وجهة نظري هي التأكد من ملائمته للمريض.
أجل كما فهمت، هذا النوع من التقويم لا يناسب جميع المراجعين في العيادة!
وذلك لعدة أسباب:
· إذا كان المراجع يدرك أنه شخص لا يمتلك القدرة على ارتداء الراصفة على أسنانه لمدة 20 ساعة على الأقل – وهي الفترة الزمنية اللازمة يومياً لضمان نجاح المعالجة –، فمن الضروري نصحه بعدم جدوى هذا النوع من المعالجة له، واقتراح اللجوء إلى العلاج بالتقويم الثابت.
· بعض الحالات الشديدة والصعبة تتطلب تحريك الأسنان لمسافات كبيرة، – ورغم تأكيد الشركات على فعالية الراصفات لجميع أنواع الحالات –إلا أنني وباعتقادي الشخصي أجد أن الراصفات الشفافة قد لا تكون الخيار الأنسب لهذا النوع من الحالات، وقد بنيت اعتقادي هذا على تجارب شخصية مع مرضى عيادتي، بالإضافة لمشاهداتي وتواصلي مع زملائي في المهنة.
2-أخذ صور أشعة للأسنان، للتأكد من عدم وجود أية عوائق تمنع عمل التقويم، بالإضافة لأخذ صور شمسية للوجه لتحليل الابتسامة، وصور داخل فموية للأسنان.
3-عمل نموذج لأسنان المراجع:
- يعد النموذج الرقمي الخيار الأفضل، عن طريق أجهزة المسح الضوئي الداخل فموية intraoral scanners، ويذهب النموذج الذي يتم أخذه مباشرة إلى الشركة المصنعة خلال ثواني.
- يمكن أيضا عمل نموذج الأسنان بالطريقة التقليدية، عبر استخدام قوالب خاصة ومعجون، ثم وضعهم في الفم لأخذ طبعات الأسنان عليها، ومن ثم إرسال هذه القوالب بالبريد للشركة المصنعة. هذه العملية قد تستغرق عدة أيام حتى تصل للشركة، بالإضافة إلى أن معظم المراجعين لا يفضلون وضع القوالب داخل الفم لأنها تسبب إزعاجا لهم وشعورا بالغثيان.
4- يتم وضع خطة العلاج المناسبة لحالة المراجع، وعمل نموذج افتراضي للمعالجة، كما يتم تحريك الأسنان بواسطة الكمبيوتر لوضعها في أماكنها الصحيحة ورصفها بشكل مناسب. بعد الانتهاء من ذلك، عادة ما أطلب من المراجع القدوم للعيادة للإطلاع على نموذج المعالجة، وليرى كيف ستبدو أسنانه في نهاية العلاج، واستمع لملاحظاته لكي نقوم بإجراء أي تعديل ضروري وممكن، و بعد أن نتفق على النتيجة النهائية للمعالجة، نطلب من الشركة البدء بتصنيع الراصفات الشفافة.
5-لنفترض أن النقطة (أ) تمثل أسنان المراجع في الوضع الحالي، بينما تمثل النقطة (ي) أسنانه في نهاية المعالجة، يتم تقسيم المعالجة بين هاتين النقطتين لعدة مراحل (عادةً يتم تحريك السن لمسافة لا تزيد عن 0.25mm في كل مرحلة) ويتم عمل نموذج للأسنان لكل مرحلة من هذه المراحل عن طريق الطابعات ثلاثية الأبعاد، و بعدها يتم عمل راصفات شفافة بناءا على شكل الأسنان الموجودة في كل نموذج تتم طباعته.
6-يتم إرسال الراصفات للطبيب المعالج و بعدها تبدأ مرحلة المعالجة.